الأحد، 30 أغسطس 2015

في محاولة الكتابة


منذ فترة طويلة وأنا أحاول أن أكتب نصاً طويلاً في أيَ مجال كان، حاولت أن أكتب في هذه المدونة مثلاً عن مذكرات السيدة سالمة بنت سعيد عن ألمانيا (وليست تلك التي عن زنجبار) ورسائلها للوطن وحاولت أن أكتب للعلامة للتسويق (وهي المؤسسة التي أعمل فيها لتقضية الوقت) عن موضوع يتعلق بالسياحة والشبكات الاجتماعية ولكن - وكما هو واضح بما أنني نشرت هذه المادة- لم أستطع ذلك.

لهذا الأمر أسباب تبدأ ولا تنتهي؛ بعضها أعرفه والبعض الآخر أظن أنني لم اكتشفه بعد. ولكن من أهم هذه الأسباب هو "الغرق" أو "الرغبة في الإسهاب" التي تنتابني لدى البدء كتابة الموضوع، ففي موضوع الأميرة سالمة بنت سعيد مثلاً بدأت بالكتابة عن حياتها كمقدمة للحديث عن كتاب مذكراتها في ألمانيا (والذي لم يترجم للعربية بعد وقرأت صفحات منه فقط عبر جوجل بوكز) ومن ثم انتقلت لتفاصيل حياتها لهناك ليصبح الأمر أصبح بتكتابة مختصر للكتاب (وهذا عائد جزئياً لكوني أعتقد أن كل شيء يستحق الكتابة عنه والإشارة له)  وغرقت بعدها في تفاصيل أولادها (أحدهم مثلاً  علاقة مع الحركة الصهيونية) ثم عن زاهر الهنائي الذي بدأ (وانتهى بالمناسبة) في ترجمة مذكراتها الألمانية، ومن ثم وجدتني أبحث في الروايات والكتب التي تكلمت عن قصة الأميرة وبعدها في الإرشيفات الألمانية التي احتوت رسائلها وهكذا من تيه لآخر حتى انحرفت عن الكتابة ونسيتها تماماً. وقس ذات الأمر على أي موضوع آخر.

مشكلة أخرى أعتقد أنها لا تواجهني وحدي وهي أننا نعيش في عصر السرعة والاختصار؛  بدلاً من أن أكتب موضوعاً من ألف كلمة مثلاً عن سالمة سعيد لم لا أسطر ما في بالي في عشرة تغريدات لا يمكن أن تتعدى الواحدة منها ١٤٠ حرفاً؟ أليس ذلك أسهل لي وللقارئ و "أكسل"؟
لستُ هنا في مجال للمناقشة إن كان التغريد أفضل أم لا، ولا عن آلية حل هذه الإشكالية بطرق تبدأ ولا تنتهي ولذلك فسأكتفي بوصفها فقط.

إشكالية أخرى لازمتني عندما كنت أكتب تلك المواضيع التي تكتفي بوصف الحال أو الساخرة والتي لا تحتاج بحثاً ولا إشارات كموضوع السيدة سالمة سعيد (أي كهذا الموضوع تقريباً) وهو أنني بالإضافة لصفي الكلام الذي غالباً لا يخرج من القارئ بفائدة معلوماتية هو أنني نادراً ما أراجع مسوداتي.. أكتب وأنشر دون أن أمهل نفسي بعض الوقت لمراجعة ما كتبت والنتيجة طبعاً كوجهي الـ "مش وسيم".

أتمنى أن أصل يوماً ما لتلك المرحلة التي يصل لها كتاب الأعمدة الأسبوعية والذي ينجحون بسهولة نسبية في كتابة مقال مثري ولكن بلغة سهلة وبسيطة ومن غير إسهاب.

وبما أني نجحت في طقطقة كل هذا الهراء أعلاه فعسى أن أنجح في فعل هذا بشكل دوري حتى أستطيع إنتاج شيء مفيد في القريب العاجل.

الثلاثاء، 3 يونيو 2014

عمان الحديثة بعيون الأنثروبولجيين



مقدمة شاطحة:

بما أنه بدا من الواضح لي أنني أواجه صعوبة حقيقية في كتابة أي شيء خارج إطار العمل وأن المُدونة الجديدة (التي لم أفتحها منذ تدوينتي اليتيمة في منتصف أبريل) فشلت في إغرائي بالكتابة فقد قررت التخلي عن فكرة تسطير المقال أدناه بالشكل الذي يليق بنشره في الفلق مثلاً، وكتابة كل ما يخطر في بالي عن الموضوع بدلاً من عمل بحث حقيقي والتعمق فيه.



لذلك فلربما على المهتمين بهكذا مواضيع عدم أخذ الموضوع بالجدية الكافية لاعتباره عملاً يستحق القراءة بتعمق.



عمان الحديثة والباحثون في العلوم الإنسانية:
لطالما كتب الرحالة والباحثون والسياسيون الناطقين بالإنجليزية الكثير عن عمان، وكثيراً ما تحدث العديدون هنا عن غياب الاهتمام بهكذا إصدارات وغياب من يدعم مُترجميها ولعل أبرزهم هو الدكتور هلال الحجري  الذي لم يكتف بالصراخ فقط بل عمل على ترجمة العديد من الإصدارات الإنجليزية آخرها هو كتاب " الإباضية: أصولها وتطورها المبكر في عمان" للمستشرق جون ويلكنسون والذي صدر عن بيت الغشام للنشر والترجمة قبل ما يقارب الشهر من كتابة هذه التدوينة.

وإن كانت الكتابات القديمة عن عمان لا تُعدّ ولا تحصى وتكلم عنها الكثيرين فإن اهتمامي في هذه التدوينة المختزلة سينصب على ما كتبه الباحثون في علم الأنثربولجيا [=علم الإنسان] عن عُمان بعد عام ١٩٧٠، وذلك لأن كتاباتهم بدايةً تتحدث عن فترة قريبة نسبياً يُمكننا من خلالها معرفة كيفية تغير نمط حياة وتفكير الإنسان العماني (الذي هو -زمنياً- سيكون بمثابة والدي أو جدي) للنمط الحالي من المعيشة، ومن ناحية ثانية فإن كتاباتهم لا تخلو من تسلية وتشويق؛ فأن يأتي باحث من أمريكا ليعيش مع عائلته في قرية كالحمراء بنهاية السبعينيات، أي من بلاد وصلت للقمر قبل عَقد لأخرى لم تصلها الكهرباء كما يجب بعد، ويكتب مذكراته حول ما يجري له من مواقف ويحللها من منظوره أمر لا تدفع قراءته للملل.

أولى هذه الكتب زمنياً هو  Behind the Veil in Arabia: Women in Oman لـ Unni Wikan (تتوفر أجزاء منه في كتب جوجل) وقد كتبت ويكان في "ما وراء البرقع" حول إقامتها في صحار على دفعتين ما بين ١٩٧٤-١٩٧٦ مع زوجها فريدريك بارث  Fredrik Barth الذي له كتاب هو الآخر يحكي ذات التجربة تحت عنوان Sohar: Culture and Society in an Omani Town (لم أجده إلكترونياً) وكما هو واضح من العنوان فإن ويكان - على غرار الكثير من الباحثات النساء- قد ركزت في حديثها عن المجتمع النسائي في عمان.

وويكان هي باحثة أنثروبولجية في جامعة أوسلو بالنرويج وقد عملت في عدة جامعات مرموقة حول العالم كهارفارد كما عملت مع عدد من المنظمات العالمية كاليونيسيف، فيما زوجها الببروفيسور بارث عمل بجامعة أوسلو بالإضافة لغيرها من الجامعات كبوسطن وهارفارد. ولكليهما كتب عديدة في مجال الأنثربولوجيا.

كتاب آخر كتبته امرأة هي الأمريكية كريستين إيكيلمان Christine Eickelman عن زيارتها للحمراء مع زوجها وابنتهما المتبناة ذات التسعة عشر شهراً في نهاية السبعينيات (١٩٧٩) حيث عاشوا هناك لما يقارب العام. وفي كتابها Women and Community in Oman (المتوفرة أجزاء منه في كتب جوجل) كتبت كريستين الكثير عن تفاصيل حياة النساء والمجتمع ككل في الحمراء، بدئاً من تساؤل النساء هناك عن ابنتها المتبناة "أمل" وإن كانت قد "دفعت مبلغاً لقاء الحصول عليها" ومن ثم التساؤل إن كانت ابنتها ذات البشرة السمراء من "الخدام" وليس انتهاءً بتقسيم المنازل في الحمراء والفرق بين منازل "الشيوخ" وغيرهم من أبناء الولاية.

وبالإضافة لكتابها (الذي قيل لي أنه تُرجم للعربية تحت عنوان "النساء والمجتمع في عمان" ولكن لم احصل على أثر له في الشبكة العنكبوتية) فإن لكريستين (والتي سمتها نساء الحمراء "مريم" نظراً لصعوبة اسمها الإنجليزي) مقالات عديدة منشورة عن الحمراء في بعض الدوريات العلمية وتكلمت فيها عن الخصوبة وزيارات ما بعد الولادة لـ"المربية" ومواضيع أخرى. كما أنه لزوجها  Dale F Eickelman العديد من المواضيع المنشورة عن عمان (وخصوصاً الحمراء) في العديد من المجلات والدوريات، فهناك - على سبيل المثال لا الحصر- مقال منشور له عن قرى وادي غول (نشر في الثمانينات) وآخر عن المعرفة الدينية في عمان (مستوحى من تجربته في الحمراء) وكذلك عن حركات الإصلاح الديني في العالم الإسلامي.

آخر تلك التجارب الأنثروبولجية - إن صح الوصف- هي للأمريكية Mandana Limbert التي قضت ما يقارب سنة ونصف في ولاية بهلاء بنهاية التسعينيات (٩٦-٩٧) لتخرج بكتابها In the Time of Oil: Piety, Memory, and Social Life in an Omani Town ، وربما ما يُميز تجربة ليمبرت قليلاً -غير القُرب الزمني- هو أنها عاشت لوحدها مع عائلة عمانية بحيث واكبت تفاصيل حياتهم يوماً بيوم، وكتبت بشكل جيد عن تأثير "النهضة" على نمط المعيشة في عمان وحللت في كتابها (الذي صدر في ٢٠١٠) بعض النصوص العمانية القديمة بعد ترجمتها وحاولت -في أكثر من موضوع- معرفة أثر الماضي على حاضر الإنسان العماني.

بكل تأكيد فإن هذه التجارب ليست الوحيدة خلال الأربع والأربعين سنة الماضية، والكتابات عن عمان ستظل دائماً كثيرة، ولكن ما يُميز الأمثلة السابقة هو أنها صدرت عن مختصين بعلم الإنسان أكثر منهم سياسيين أو رحالة، ولذلك فإننا نجد في كتاباتهم تحليلاً للعديد من الظواهر الاجتماعية التي تمر على العماني مرور الكرام وبالطبع فقد يُخطأ هذا التحليل تارةً ويصيب تارةً أخرى.

وبما أنني أظن أن الكتابة عن ضرورة الاهتمام بهكذا إصدارات وتجارب وترجمتها والاحتفاء بأصحابها ليس سوى محض تكرار لدعوة لا تنتهي فإنني سأتجاوز هذه النقطة لأرحب بإضافات وتصحيحات الجميع فيما يخص هذا الموضوع، فريما تكون أرشفة هكذا أعمال هي الخطوة الأولى للاهتمام بها مستقبلاً. 


الثلاثاء، 15 أبريل 2014

عودة للكتابة..تقريباً



بالرغم من تقديسنا الدائم للكتابة إلا أن جزءاً كبيراً في إجادتها عائد، باعتقادي، للممارسة. فالكاتب الذي يكتب مرة كل شهر لن يصل في الغالب لجودة ذاك الذي يمارسها يومياً، وهو الأمر الذي ينسحب بطبيعة الحال لباقي الممارسات الإنسانية بدئاً من لعب كرة القدم وليس انتهاءً بالغناء.

ولذلك فإنني أعيد افتتاح هذه المدونة بعد عامين تقريباً من إغلاقها (منذ 4 أبريل 2012م) من أجل ممارسة هذه الــ"ممارسة" بأريحية، بعيداً عمّا يتطلبه الكتابة في المجلات أو الصحف من رصانة وتقييد. وسبب آخر للعودة وهو أن الكتابة التي أدمنت عليها في الشبكات الاجتماعية (تويتر، الفيسبوك) خلال العامين المُنصرميّن هي من النوع الذي لا يُمّكنك من استرجاع ما كتبت – أو ما كتب غيرك- قبل فترة من الزمن إلا بصعوبة، وبالتالي فيُحرّمك من مزايا عديدة  كمتابعة تطور تفكيرك على سبيل المثال لا الحصر.

وأعتقد كذلك أن الكتابة تُساعدنا في أمر أكثر أهمية من إيصال أفكارنا للآخر وهو يكمن في "بناء" تلك الأفكار وتكوينها بشكل جيد ورصين، فكمثال فإنه عندما نقرأ كتاباً ما من أجل الكتابة عنه وعرضه ما فإننا نأخذ الأمر بصورة أكثر جدية من عندما تكون تلك القراءة من أجل أنفسنا فقط.

نقطة أخيرة لا أستطيع إغفال ذكرها وهو أن لشهر أبريل ذكريات متعددة مع قضايا حرية التعبير عن الرأي في عمان ففيه تمت محاكمة علي الزويدي بناءً على ما نشره في 2009، وفيه تم إغلاق موقع الحارة العمانية في 2011م بعدما رفضت إدارته تسليم بيانات أحد أعضاءها للإدعاء العام نظراً لكونها لم تكن تحتفظ بها. فعسى أن لا تكون لإبريل ذكريات من هذا القبيل مع مدونتي.